أكياس النيكوتين: مراجعة نقدية لأحدث الدراسات العالمية

مقال تحليلي يستعرض دراسة مراجعة منهجية حديثة. الدراسة العلمية المنشورة في أكتوبر 2025 حول أكياس النيكوتين الفموية مثل منتج ديزيرت، ويقدم قراءة استراتيجية ونقدية في نتائجها المحدودة، مع تسليط الضوء على التحديات البحثية والتنظيمية المرتبطة باستخدام هذه البدائل في الإقلاع عن التدخين ومنتجات النيكوتين الأخرى.

أكياس النيكوتين: مراجعة نقدية لأحدث الدراسات العالمية
أكياس النيكوتين في ميزان العلم والسياسة: هل هي بديل آمن أم إدمان مُقنّع؟


في مستهل هذا المقال أُشير إلى الدراسة

«Oral nicotine pouches for cessation or reduction of use of other tobacco or nicotine products»

التي نشرتها مجموعة الباحثين من مجموعة علمية معروفة تسمى (Cochrane Tobacco Addiction Group CENTRAL

والتي نُشِرت بتاريخ 24 أكتوبر 2025 ضمن مجلة Cochrane Database of Systematic Reviews من نوع مراجعة منهجية (Systematic Review).

رابط الدراسة


تكمن أهميتها في أنها تتناول تقنية جديدة نسبياً، وهي أكياس النيكوتين الفموية (oral nicotine pouches – ONP)، وتدرس إمكان استخدامها كأداة للانتقال من منتجات التبغ المشتعلة أو غيرها من منتجات النيكوتين إلى بديل أقل احتراقاً، وهو ما يندرج ضمن منطق تخفيض الضرر (harm‑reduction) — مع الإشارة إلى أن الأدلة ما تزال محدودة وضعيفة اليقين.

مقدمة 

تطرح هذه الدراسة تساؤلاً استراتيجياً في سياق مكافحة التدخين: كيف يمكن للبدائل الفموية المحتوية على النيكوتين أن تلعب دوراً في خفض الاعتماد على التبغ أو على بدائل النيكوتين الأخرى، دون أن تكون مقدّمة لمخاطر إضافية؟ من هذا المنطلق، فإن أكياس النيكوتين الفموية (ONP) ظهرت في نهاية العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، وطُرحت تجارياً على نطاق واسع منذ حوالى عام 2016 تحت مسميات تجارية متنوعة، وتروّج غالباً بأنها أقل خطورة من التدخين التقليدي.

 تهدف الدراسة إلى تقييم فوائد ومضار استخدم هذه الأكياس في سياقين:

أولهما مساعدة المدخنين على الانتقال بعيداً من السجائر أو التبغ المحترق

وثانيهما المساعدة في الانسحاب أو التقليل من استخدام غير التبغ المحترق أو منتجات النيكوتين التجارية الأخرى. 

يترتب على ذلك – من زاوية تحليلية واستراتيجية – سؤال محوري: هل يمكن لهذه التقنية أن تشكّل جسراً نحو تخفيض الأذى (reduction of harm)، أو هي في الواقع ستطلق ديناميكا مركبة من “تبديل” اعتماد وليس بالضرورة “إقلاعاً”؟ وهل تشكّل بذلك نقلة في منظومة الصحة العامة أم مخاطرة تفتح الباب لزيادة انتشار استخدام النيكوتين في فئات غير مدخّنة؟

منهجية الدراسة 

اعتمد البحث على مراجعة منهجية شاملة بأنواعها: تمّ البحث في قواعد بيانات رئيسية مثل Cochrane Tobacco Addiction Group CENTRAL، MEDLINE، Embase، PsycINFO من عام 2000 وحتى 13 يناير 2025، كما شملت سجلات تجارب إكلينيكية مثل ClinicalTrials.gov وWHO ICTRP. 

شملت معايير الأهلية تجارب عشوائية (RCTs) لـ ONP لدى مستخدمين للتبغ أو لنيكوتين غير دوائي، شرط أن تكون متابعة الاستخدام أو المؤشرات الحيوية أو الأحداث الضارة لمدة 4 أسابيع أو أكثر، أو بيانات على مستوى السكان لقياس انتشار الاستخدام. 

وقد ضُمت أربع تجارب صغيرة فقط (إجمالي 284 مشاركاً)، ثلاث منها مستقلة، وأحدها مدعوم من صناعة التبغ؛ كلها في مدخنين سجائر احتراقية في البداية، ثلاثة في الولايات المتحدة وواحدة في نيوزيلندا. 

تحليل النتائج شمل معدّلات الامتناع عن التدخين، الأحداث الضارة الخطيرة، ومؤشرات التعرض مثل NNAL وCOHb، وتمّ استخدام نموذج عشوائي‑تأثيرات (random‑effects meta‑analysis) مع تقدير heterogeneity بواسطة I²، وتقييم جودة الأدلة بنظام GRADE. 

نتائج الدراسة وتحليلها

أظهرت النتائج أن الامتناع عن التدخين قد يكون “ربما” أعلى قليلاً لدى من وُضعوا في مجموعة ONP مقارنة بعدم وجود تدخل (RR 1.58، لكن بفاصل ثقة واسع 0.07‑35.32، وتقويم الأدلة: «انخفاض اليقين جداً»). 

بالمقابل، مقارنة ONP مع السجائر الإلكترونية (e‑cigarettes) أشارت إلى أن المجموعة التي استخدمت ONP ربما أقل احتمالاً للامتناع (RR 0.25، 95 % CI 0.03‑2.02؛ «يقين منخفض») 

بالنسبة للأحداث الضارة الخطيرة، لم تُبلّغ أية تجارب عن وقوعها في تلك التي أبلغت، لكن الأدلة لا تزال «انخفاض اليقين».  أما المؤشرات البيولوجية مثل NNAL (مؤشر لنتروجينات التبغ) وCOHb (ربط أول أكسيد الكربون بالهيموغلوبين)، فقد أظهرت تجربة واحدة انخفاضاً في NNAL (MD −265.30 ng/g creatinine)، وانخفاضاً في COHb (MD −6.7 %) لدى مستخدمي ONP مقارنة بمن استمرّ في التدخين، لكن الأدلة «غير مؤكّدة جداً». 

وجدت الدراسة كذلك أنه لا توجد بيانات كافية حتى الآن عن تأثير ONP على انتشار استخدام التبغ أو استخدام بدائل النيكوتين على مستوى السُكان، أو على استخدام منتجات النيكوتين غير الدوائية الأخرى. 

الاستنتاج والنقد

من منظور نقدي وتحليلي، يمكن القول إن هذه الدراسة تمثّل خطوة أولية مهمة نحو فهم إمكانات ONP كأداة في استراتيجية تخفيض الضرر، لكنّها لا تشكّل دلائل كافية بإطلاق.

أولاً، حجم العيّنات صغير، ومتطلبات المتابعة قصيرة، والنتائج «ضعيفة اليقين»؛ هذا ما اعترف به المؤلفون صراحة. 
ثانياً، ثمة خطر مفاهيمي: إذا تحوّل استخدام ONP من «تحول» إلى «بقاء» أو حتى إلى دخول مستخدمين جدد غير مدخّنين سابقاً، فإن تأثيرها على الصحة العامة قد لا يكون مفيداً بل معقّداً. هذا ما تُشير إليه مراجعات أخرى بأن جذابية النيكوتين الفموية للفئات الشابة تُثير قلقاً. 
ثالثاً، من الناحية الاستراتيجية، ينبغي أن تُقارن ONP ليس فقط بعدم التدخين أو استمرار التدخين، بل أيضاً بالمداخل المُثبتة مثل العلاج ببدائل النيكوتين (NRT) أو السجائر الإلكترونية، وهو ما توصي به الدراسة أيضاً كأولوية بحثية مستقبلية. 
رابعاً، من زاوية السياسات الصحية، لا يكفي أن يكون البديل «أقل خطراً» من التدخين؛ لا بد أن يُقدّم مساراً واضحاً للإقلاع أو التقليل، ويجب مراقبة ما إذا كان يؤدي إلى استخدام مزدوج (التبغ + البديل) أو استمرار الاعتماد. وبالتالي، فإن التنفيذ الفعلي لأي سياسة تعتمد ONP يتطلّب بناء إطار تنظيمي، مراقبة الاستخدام، وحماية الفئات الضعيفة كالناشئين.

توصيات وخاتمة

في ضوء ما سبق، يمكن اقتراح ما يلي من توصيات استراتيجية:

  • توسيع نطاق التجارب العشوائية على ONP بحيث تشمل مجموعات أكبر، متابعة أطول (≥6 أشهر)، ومقارنات نشطة (مثل NRT أو e‑cigarettes).

  • إدراج مراقبة الاستخدام طويل الأمد، مثل ما إذا انتهى الأمر بالانتقال الكامل بعيداً عن التدخين، أو ببديل ثابت، أو حتى الدخول في اعتماد جديد.

  • صياغة سياسات وقائية لمنع دخول غير المدخنين خصوصاً من الشباب إلى استخدام ONP، عبر تنظيم التسويق والنكهات والقوة النيكوتينية.

  • وضع برامج توعية تبيّن أن ONP ليست منتجاً «آمناً تماماً» بل «أقل خطورة نسبيّاً»، وأن مسار الإقلاع الكامل أو التقليل من النيكوتين لا يزال الهدف المرجوّ.

  • دمج ONP ضمن منظومة أشمل للإقلاع عن التدخين، لا كبديل منفرد بل كإحدى أدوات متعددة، ترافقها الدعم السلوكي، المتابعة الطبية، والتقييم المستمر.

ختاماً، أرى أن هذه الدراسة تمثّل إشارة أولية مفيدة في حقل بدائل النيكوتين، لكنها بعد من أن تكون حُجة قطعية لتبنّي ONP كاستراتيجية عامة. في لبنان والعالم العربي مثلاً، حيث أنماط التدخين والتحوّل الاجتماعي تختلف، فإن تبني هذه البدائل يستوجب ترجمة محلية دقيقة، وإطاراً تنظيمياً يُضبط الاستخدام والمخاطر. علينا أن ننظر إلى ONP كفرصة بحثية وسياسية لا كحل سريع ومعجز.